الموسيقي في سورية
[05.2.2016]عرف الشعب السوري الموسيقى منذ فترات زمنية قديمة جدا، وتقوم الموسيقي العربية في سوريا على قسمين أساسيين وهما الفن الغنائي وينحصر التأليف ضمنه، في القوالب الفنية التي أبدعها العرب كالقصيدة والأغنية الدينية والموشح والأغنية الشعبية والابتهالات الدينية والأهزوجة، وكذلك القوالب الموسيقية الموروثة من التركة العثمانية، مثل البشرف والسماعي والتحميلة والدولاب الذي كان يستخدم كتمهيد للغناء.
وتعتبر النهضة الموسيقية في سوريا نتيجة لظهور الأندية الموسيقية في بداية القرن العشرين حيث شهدت سورية نهضة موسيقية حقيقية حيث استطاعت هذه الأندية اثبات ذاتها حتي على الرغم من الصعوبات التي واجهتها بسبب عوامل مختلفة يأتي في مقدمتها المعتقد الديني والاجتماعي.
وقد بدأت حركة انشاء الأندية الموسيقية علي يد الموسيقي الراحل شفيق شبيب الذي كان أول من أسس في دمشق ناد للموسيقى عام 1914 باسم نادي الموسيقى الشرقي، ثم أسس المرحوم توفيق فتح الله الصباغ نادياً آخر عام 1927 في أعقاب الثورة السورية على المستعمر الفرنسي 1925-1927، وفي نفس العام تأسس نادي الكشافة الذي اهتم بالتمثيل أكثر من اهتمامه بالموسيقى، ومن خلال هذا النادي ولدت عدد من الأندية التي اهتمت بالتمثيل والموسيقى على حد سواء، وكان من أبرزها نادي (الأداب والفنون) و(نادي الفنون الجميلة) وقد ضما عدد من كبار الفنانين من موسيقيين وممثلين من مثل: توفيق العطري، وعبد الوهاب أبو السعود، ووصفي المالح، ورجب خلقي، ورشاد أبو السعود، ومصطفى هلال، وممتاز الركابي.
ثم نادي الموسيقى الوطنية الذي أسسه الراحل مصطفى الصواف، ونادي الفارابي الذي ضم بين أعضائه مطيع ونصوح الكيلاني وعثمان قطرية، ومعهد أصدقاء الفنون الذي جمع نخبة من الموسيقيين من مثل: عدنان الركابي، وعصمت ونجدت طلعت، وشمس الجندي، ومحمد ويحيى النحاس، وكامل القدسي، وحسني الحريري، ونادي دار الألحان وضم هشام الشمعة، وشكري شوقي، ونادي دمشق وضم أشهر العارفين والمطربين من مثل: تيسير عقيل، ورفيق شكري، وفؤاد محفوظ، وصبحي سعيد، وعمر النقشبندي، وآخرون.
وقامت في حلب في حلب أيضاً أندية ومعاهد عدة من أشهرها «نادي الصنائع النفيسة» و«نادي حلب الموسيقي» و«نادي الشهباء الفني» و«نادي الجمعية الأرمنية» و«النادي الكاثوليكي»، وكان الشيخ علي الدرويش، والشيخ عمر البطش، وأحمد الأوبري، وكميل شمبير، وسعد الدين القدسي، ومنيب النقشبندي، ورشيد مامللي، وممدوح الجابري، وعمر أبو ريشة، ومجدي العقيلي من أبرز أعضاء هذه الأندية، أما باقي المدن السورية فكانت تفتقر إلى أندية موسيقية تجمع شمل مبدعيها باستثناء مدينة حمص التي زهت طويلاً بناديها الشهير «دوحة الديماس» الذي دعي إلى افتتاحه في العام 1934 الشيخ علي الدرويش، ومدينة اللاذقية التي ترأس النادي الموسيقي فيها محمود العجان.
لكن تيار التجديد الفوضوي الذي شهدته الحركة التأليفية التي انبثقت عن المعاهد والأندية الموسيقية الخاصة، كان انعكاساً للأحداث الدامية والاضطرابات التي شاركت فيها تلك الأندية والتي لم تتوقَّف طوال الثلاثينات، سوى خلال فترات ضئيلة من أجل جمع الصفوف والتقاط الأنفاس.
وأما الفن الحديث الذي دخل على الغناء العربي منذ ثلاثينات القرن الماضي، فتندرج فيه القصيدة الغنائية والأغنية الدارجة والأغنية الشعبية المطورة عن مثيلتها التراثية. وكذا الأغنية المستقاة قوالبها من الغرب، وقبل ذلك كانت المناهج تختلف من ناد إلى ناد ومن مدرس إلى مدرس وتخلو من فروق تذكر بين منهج وآخر، وتعد جميعاً من المناهج الارتجالية، لأنها تعلم العزف كيفما اتفق، ولا تخلق عازفاً مبدعاً، وقد أخذت معظم الأندية الموسيقية بالأساليب الفارسية-التركية في العزف والغناء بدعوى أنها الوريثة للتركة الموسيقية العثمانية، غير أن جيل الأربعينيات والخمسينيات من الموسيقيين استطاع التحرر من الأساليب التركية، والتوفيق بين الموروث والتجديد، وقد الدولة تدخلت رسمياً في إقرار المناهج الموسيقية الرسمية التي يجب العمل بها في عام 1943 حين أسست المعهد الموسيقي الرسمي الأول.
وكان واقع الغناء في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات في سورية أفضل حلاً من واقع العزف على الآلات الموسيقية، والخلافات التي قامت حول أساليب العزف، لم يعرفها الغناء والتلحين، إذ اتخذ الغناء مساراً واضحاً بالنسبة للتراث، فحافظ أقطاب الموسيقى على الموشحات والأدوار والغناء الشعبي (الفولكلور)، وعملوا في الوقت ذاته على الارتقاء بفن القصيدة، وتمكنت الطقطوقة كأغنية عاطفية خفيفة مع الألوان الغنائية الأخرى المشابهة لها من الوقوف أمام الأساليب التركية والغجرية الشائعة. كذلك اغتنى الغناء العربي عامة بفن الأغنية الأوربية في المونولوغ الرومنسي، والمونولوغ الاجتماعي الانتقادي، وبفن الديالوغ (الحواري)، وفن الأغنية الذي قام على الإيقاعات الغربية الراقصة ذات الأصول الفولكلورية من مثل التانغو Tango الأرجنتيني، والرومبا Rumba الكوبية، والسامبا Samba البرازيلية، والفالس Waltz النمساوي، والبوليرو Bolero الإسباني، وبدا الغناء من خلال هذه الألوان في صحة طيبة وإن غاب الطرب والتطريب عن بعض هذه الألحان.
ويعد مهرجان المحبة السنوي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة منذ إنشائه عام 1988 من أهم المهرجانات الموسيقية، ويقام هذا المهرجان في اللاذقية، ويشارك فيه أعلام الموسيقى والغناء في سورية والوطن العربي، وكذلك مهرجان الأغنية السورية في حلب الذي يقام سنوياً بإشراف الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
